فلسطين

فارس السماء: «محمود فارس» مهندس مسيَّرات طوفان الأقصى

كان من المستبعد امتلاك المقاومة الفلسطينية سلاحاً فعالاً بمجال الطيران المُسيّر الحصان الأسود في المعارك الحديثة، إلا أن عقول مهندسيها كان لها رأي آخر

future مهندس المُسيَّرات الفلسطيني محمود فارس

كل سلاح تستخدمه المقاومة الفلسطينية مر بمراحل عدة من التطوير والإيجاد من العدم، ثم مراحل أخرى كي يصبح أخف وزناً وأكثر ضرراً للعدو، ومع بروز السلاح في معركة ما قد تلتفت الأنظار إلى الاسم الأخير الذي وضع اللمسة الراهنة على السلاح، متناسية بذلك الأسماء العديدة التي دفعت أثماناً باهظة كي تصل أسلحة المقاومة إلى لحظتها الحالية.

من أبرز تلك الأسلحة سلاح الطائرات المُسيَّرة، والتي صارت بمثابة الحصان الأسود في المعارك الحديثة. ودخلت الدول الكبرى في منافسة شرسة على من يملك أفضل مُسيَّرة، وعلى من يملك أنواعًا متعددة من المُسيَّرات قادرة على أداء مهام مختلفة ومتنوعة حسب احتياج الدولة. لكن المقاومة الفلسطينية دخلت هذا السباق وهي قيد الحصار، مواردها محدودة، ولا يتوقع منها أحد أن تمتلك سلاحاً فعالاً في مجال الطيران المُسيَّر، إلا أن عقول مهندسي الفصائل كان لها رأي آخر. من هؤلاء المهندسين كان الشهيد المهندس محمود فارس.

كان فارس شغوفًا بالحلم الذي أسر جميع مهندسي كتائب القسام، وهو الوصول لطائرة تحمل كيلوجرامات من المتفجرات، تحلق فوق المستوطنة المستهدفة، ثم تلقي تلك المتفجرات وتعود إلى مرابضها سالمة.

المهندس الأساسي في مشروع الزواري

ولد فارس في يونيو عام 1983، في محافظة خان يونس في قطاع غزة. تلقى تعليمه حتى المرحلة الثانوية في القطاع، ثم انتقل إلى سوريا لدراسة الهندسة الميكانيكية. بزغ نجمه في تلك الدراسة، وحصل على المركز الأول على دفعته. وبجانب ذلك النبوغ الدراسي كان معروفًا كواحد من أبرز وجوه العمل الطلابي الداعي لدعم القضية الفلسطينية.

لذا لم يكن مستغربًا حين عودته إلى قطاع غزة أن يضع نفسه في خدمة كتائب القسام، باعتبارها أكبر فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع. كان يخرج من القطاع لحضور دورات تدريبية مكثفة في صناعة الطائرات المُسيَّرة. بعض تلك الدورات كانت في سوريا. وبعضها كان على يد مهندس القسام محمد الزواري، مثل التدريب الذي تلقاه على يده عام 2012، بعد معركة حجارة السجيل.

عمل محمود فارس مهندساً أساسياً بجانب الزواري في المشروع الهندسي الذي أنتج للمقاومة واحدًا من أبرز منتجات الطيران المُسيَّر، وهو مشروع أبابيل، الذي كان ظهور طائراته صادمًا للاحتلال الإسرائيلي واستخباراته؛ فقد ادخرت المقاومة لحظة الإعلان عنها إلى معركة العصف المأكول عام 2014. وأدركت إسرائيل حينها أنها باتت أمام مقاومة تحرص على التفوق النوعي، أو على الأقل مناطحة الشعور الإسرائيلي بالتفوق العسكري.

بجانب الطائرة أبابيل فإن محمود فارس ساهم في تطوير طائرتي شهاب والزواري. كما أفاد بخبرته مجال صناعة محركات الصواريخ. كان فارس يدرك، كما تدرك كل عناصر المقاومة، أن الاغتيال قد يحدث في أي لحظة؛ لذا حرص منذ اللحظات الأولى على تمرير كل ما يملك من معلومات وخبرات إلى كل عناصر وحدات التصنيع العسكري في القسام، وكل فصائل المقاومة.

ثلاث محاولات لاغتياله

وقع ما كان يعلمه فارس منذ قرر الالتحاق بالمقاومة، أو بتعبير أدق، منذ أدرك أنه من مواليد وسكان قطاع غزة المحاصر، وهو الاغتيال. حاولت إسرائيل اغتياله عبر استهداف ورشة من ورش التصنيع التي كان موجودًا فيها، لكنه نجا من تلك المحاولة. أتت تلك المحاولة حين رصد الاحتلال إحدى الطائرات أثناء تحليقها في الجو، فبدأت الاستخبارات الإسرائيلية في رصد ورش التصنيع، محاولة إبادتها كي يموت الحلم الفلسطيني في مهده.

لاحقاً استهدفت إسرائيل منزله في محاولة جديدة لاغتياله، لكنه نجا من تلك المحاولة أيضاً. ثم ارتقى في المرة الثالثة، في 12 مايو عام 2021، حيث كان فارس من بنك أهداف الاحتلال في معركة سيف القدس.

ارتقى فارس شهيدًا رفقة القائد وأستاذه في مجال التصنيع العسكري، جمعة الطحلة، قبل ساعات قليلة من بداية عيد الفطر، فقد كان اليوم الأخير من شهر رمضان أوشك على الرحيل.

لكن كما اعتادت المقاومة الفلسطينية فإن الاغتيال لا يقضي على الفكرة، بل ينشر بذور المقاومة أكثر؛ لذا ففي نفس المعركة التي اغتيل فيها فارس أطلق رفيقاه المهندسان حازم الخطيب وظافر الشوا طائرة شهاب المسيرة، لتدخل الخدمة رسميًا في معركة سيف القدس.

فارس السماء

أطلقت كتائب القسام على المهندس محمود فارس لقب فارس السماء، تقديرًا لإسهامه البارز في مجال الطيران المسير. وبعد أن ارتقى شهيدًا كشفت الكتائب عن دوره في عمليات التصنيع العسكري. وأنتجت فيلمًا وثائقيًا تضمن جانبًا من سيرته ومسيرته. ويقول أحد قادة كتائب القسام في ذلك الوثائقي إن ما لفت نظر القادة في محمود فارس هو طموحه واهتمامه بأدق التفاصيل، ورغبته في أن يكون سببًا في إنتاج سلاح نوعي يساهم في تغيير معادلة الصراع.

كشفت المعركة التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023 عن امتلاك المقاومة الفلسطينية لترسانة متنوعة من الأسلحة المتطورة، من بينها الطائرات المسيرة. فقد وجهت كتائب القسام 35 طائرة انتحارية من طراز الزواري صوب إسرائيل، تمهيدًا لعبور مقاتلي القسام في الساعات الأولى من السابع من أكتوبر.

ليكون بذلك قد تم لفارس ما أراد، فمع كل طائرة مسيرة تطلقها المقاومة الفلسطينية تجاه الاحتلال يكون له سهم فيها. وتوجد بصمته على جميع الطائرات التي تستخدمها المقاومة، سواء كانت الاستطلاعية أو الهجومية، أو حتى الطائرات الأحدث المعروفة بالانقضاضية أو الانتحارية.

من جانبها قالت كتائب القسام في الوثائقي إن العمل في مجال الطيران المسير مستمر رغم ارتقاء محمود فارس. موضحة أن فارس كان يعتمد على استراتيجية أن يكون لكل فرد مهمة محددة ضمن المشروع الكبير، وأن يكون كل فرد كذلك ملمًّا بجوانب المشروع الكلية، ما جعله يفتح آفاقًا مختلفة أمام مجال التصنيع العسكري، ويعمل في عدة مشاريع بشكل متوازٍ.

وهو ما أكدته حماس بأن العديد من المشاريع التي خطط لها فارس قد دخلت حيز التنفيذ بالفعل رغم استشهاده، وأن الجولات القادمة في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي هي التي ستكشف اللثام عن المزيد من الخبرات العسكرية والتطور النوعي الذي حلم به مهندسو القسام دوماً.

# محمود فارس # طوفان الأقصى # المقاومة الفلسطينية # فلسطين # إسرائيل

«معركة خلدة»: عن الهزائم التي تلد انتصارات
تل أبيب: قصة الحي الشعبي الذي أصبح قلب إسرائيل
الشابات: كيف نفهم حياة الحريديم في الأراضي المحتلة؟

فلسطين